مدير النشر جمال الصعفضي
حزن ومآثم بكل جهات المغرب.
تم فك لغز القارب المطاطي المختفي منذ مايناهز الثلاثة ايام والذي كان على متنه 52 مرشحا للهجرة السرية،منطلقين من نواحي طانطان في اتجاه جزر الكناري.هذا القارب التعيس الحظ الذي كان من بين عدة قوارب لها نفس الوجهة ،منها ماهو خاص بالمهاجرين الافارقة فقط ومنها من يحمل المهاجرين السريين من شتى انحاء المغرب .تواردت الاخبار تباعا من عين الحدث ومن خلال تصريحات الناجين والتي ادلوا بها للسلطات الامنية والتي تفيد انه كان على متن ذاك اللوح الخشبي شباب من القنيطرة،سلا،اكادير الدار البيضاء ،بني ملال ،قصبة تادلة،ازيلال آسفي ….من ضمنهم شابة وطفل صغير ،هو ابن البحري سائق الزوضياگ.شباب في مقتبل العمر قضوا ليالي عصيبة في البحر ،عاشوا فيها جميع انواع الخوف والرعب .الامر يفوق تصور مخرج سينمائي بهوليود لمأساة شباب امريكيين في نزهة داخل البحر او على قارب وسط القروش.انها الحقيقة المرة التي يعيشها الشباب المغارية الذين اضطرهم الفقر والبطالة وانسداد الافاق الى ركوب امواج المغامرة والابحار وسط الاطلسي المظلم على ظهر قشة لبلوغ جزرنا الخالدات.لم يثنهم طول الطريق وتكاليفه وصعوبته ومخاطره عن المجازفة بارواحهم للوصول الى الضفة الاخرى.تذكرنا هاته الفاجعة الجديدة بضحايا الهجرة بتادلة والزاوية وابي الجعد والفقيه بن صالح وسوق السبت ،حيث لم يسلم اي دوار او مدينة بالجهة باكملها من عزاءات الموتى في سبيل الحلم الاوروبي.
تعرض القارب منذ البداية الى شرخ ناتج عن احتكاكات صخرية ومع ذلك اكمل الرايس طريقه ،التي سيضلها فيما بعد .رغم ذلك ووسط اصرار الركاب واصل ابحاره رغم فقدانه البوصلة واستمر الراكبون في تفريغ مياه البحر المتسربة .لكن قرب نفاذ كميات البنزين المتوفرة جعل السائق يسكت المحرك بين الفينة والاخرى.عاش المفقودون ليالي وايام من الفزع والجوع والجنون ،المشهد مؤلم جدا حيث تشبت السبعة الناجين بالجانب المطاطي من الزودياك بعد تحطم قاعدتها من جراء التسرب الكثير للماء للداخل واختلاطه بالوقود ،فاصبح الخليط حارقا لجلد كل من تطاير عليه .مات الطفل الصغير ابن البحري ،جوعا وبردا وهو الذي اخذه ابوه عن امه دون علمها من سلا ،لم يضبط الاب اعصابه ففضل الانتحار حرقا وغرقا.لقد اصيب الشباب بفوبيا البحر والتهيأت الهسترية فالقى العديد من الفلذات بانفسهم وسط اليم مع ترديد عبارات الوداع، كل بطريقته في جو رهيب يترقبه الذين لازالوا عالقين ومتشبتين. من لم يمت بتفاعل البنزين والملح ،مات غرقا ،حيث يغفو الفرد ويستفيق ليجد شخص او شخصين ناقصين طيلة الثلاث ليالي. هذه الحادثة المؤلمة ليست الاولى او الاخيرة بل هي واحدة من آلاف المغامرات والمآسي التي عرفتها مضايق البحر الابيض المتوسط وهاهي الان تتحول نحو الوجهة الاطلسية ذات الاعماق الموغلة والموحشة.طيلة السنين الاخيرة نشطت الهجرة السرية الجنوبية نحو جزر الكناري المستقبلة لمئات القوارب المطاطية والتي تخرج اسبوعيا في اتجاه الجزر الاسبانية .آلاف عقود االاعمال بالدول الاجنبية تصدر كل شهر ،موجة هجرة مسعورة عرفتها المجتمعات البسيطة من المواطنين البسطاء وجميع الفئات الذين لم يجدوا ما يوفروه لابنائهم وبناتهم وهم في سن العطاء.
ان الازمة الخانقة التي جثمت على المجتمع المغربي والتي انسدت معها جميع الافاق والتطلعات ،جعلت الغالبية العظمى تفكر في ما وراء البحر سواء للدراسة او العمل او العيش.